العلامة محمد الحسن بن سيدي عبد الله السباعي ودوره في نشر الإسلام في غامبيا / بقلم د. محمد الحسن ولد محمد المصطفى.. أستاذ جامعي

أربعاء, 21/02/2024 - 17:20

دخل الإسلام إلى غامبيا والسنغال مع بدايات تغلغل الإسلام في معظم الصحراء وغرب إفريقيا، خاصة مع الدولة المرابطية والقرون اللاحقة، ولموريتانيا دور بارز في ذلك عبر الزمن، ويعتبر العلامة الحافظ محمد الحسن ولد سيد عبد الله السباعي الذي عاش ما بين 1805 ـ 1873 من أهم من قام بنشر الإسلام في بلاد غامبيا وما جاورها وقد توفي بها ودفن في العاصمة بانجول قبل نحو قرن ونصف من الزمن وقبره بها ويعرف بضريح الشريف.

وسنتعرف فيما يلي على مولده ونشأته في بلاد شنقيط وشهرته العلمية والدينية بها ثم رحيله إلى غامبيا ناشرا للإسلام ومدافعا عنه، ثم نتوقف عند جانب من كراماته في تلك البلاد رحمه الله رحمة واسعة.

مولده ونشأته

هو محمد الحسن بن سيد عبد الله بن أحمد بن محمد بن سيدي السيد بن الحاج أحمد بن امحمد بن الحاج واسمه عبد الوهاب بن ادميس واسمه سيدي أحمد بن عبد الوهاب بن عبد المنعم بن سيدي اعماره بن ابراهيم بن اعمر بن عامر المكنى بأبي السباع ، ينتهي نسبه إلى المولى إدريس، مؤسس دولة الأدارسة في بلاد المغرب، بن الحسن بن الحسن بن  علي بن أبي طالب ، وفاطمة الزهراء  بنت محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولد حوالي 1220 هـ 1805م، بمدينة ولاتة الواقعة شمال شرق موريتانيا حااليا .

وقد أقام والده سيد عبد الله بن أحمد خلال مراحل مختلفة من حياته ما بين "تيندوف" وما جاورها و "ولاتة" وأحيانا "تيمبوكتو" وضواحيها، وكان يجمع إلى العطاء العلمي النشاط التجاري سعيا إلى استقلالية مواقفه العلمية، واستقرار حياته اليومية.

وكانت والدة محمد الحسن بن سيد عبد الله تدعى "مامسرى" وهي ابنة أحد علماء وشيوخ قبيلة "بمباره.." كان يقيم في مدينة "أنيور" المالية.

المرحلة الشنقيطية من حياة العلامة محمد الحسن بن سيد عبد الله

وقد نشأ الشيخ محمد الحسن بن سيد عبد الله بمدينة "ولاتة" وفيها درس، ثم رحل إلى مناطق مختلفة من بلاده، والبلاد المجاورة لطلب العلم، وهكذا حفظ القرآن الكريم، وأجيز في حفظه وتجويده، كما تضلع في علوم الشريعة واللغة وغيرها من علوم ومعارف عصره، ومن أبرز شيوخه: الشيخ محمد الأمين بن عبد الوهاب الفلالي، المتوفى سنة 1254 هـ، 1839م الذي أجازه في القرآن الكريم في قراءة الإمام نافع برواية ورش وقالون وذلك بتاريخ: 17 ذي القعدة عام 1248هـ 1833م، وتمر هذه الإجازة بالحافظ العلامة سيدي عبد الله بن أبي بكر التنواجيوي عبر الطالب صالح بن الطالب المختار، وسنورد سندها مفصلا في موضع لاحق من هذه الترجمة.

وتجمع الروايات الموثوقة المتواترة عن أبنائه وأحفاده ومعظم قراء علماء أن لديه إجازة أخرى في القراءات السبع، ويرجح أنه أخذها من مدينة فاس الحاضرة العلمية للمغرب الأقصى المشهورة..

ولم يتوفر لنا أن نعرف بقية شيوخه، وإن كنا نرجح أن والده كان من أوائلهم، كما لا شك أنه تلقى العلم عن علماء آخرين غير ابن عبد الوهاب الفلالي.

وقد ربطته الشيخ سيديا الكبير بن المختار بن الهيبة الأبييري (ت 1284هـ 1867م) أخوة وصداقة في الله خالصة من أعمق ما تكون العلاقة بين العلماء، وتختلف الروايات الشفهية والمكتوبة في كيفية التقائهما: فيذهب البعض إلى أنهما التقيا في "أزوواد" (هي صحراء تقع شرق وشمال شرق بلاد شنقيط تتبع دولة مالي حاليا) وهي الرواية المتواترة عند أسرته، ويذهب هارون بن الشيخ سيديا إلى أنهما التقيا في مكان يدعى "تنياكررت" قرب بوتلميت، وتجمع رواية أخرى بين الروايتين السالفتين فتذهب إلى أنهما التقيا خلال تواجدهما معا في أزواد، وتعاهدا عل اللقاء في الوقت المناسب المقدر بمشيئة الله وأن الشيخ سيديا أطلع تلامذته على قرب وصول الشريف محمد الحسن السباعي، وأمرهم بتهيئة ما يلزم لا ستقباله، ثم تلقاه قبل مراحل من حاضرته العامرة (بوتلميت).

العلامة محمد الحسن أستاذ الشيخ سيد محمد ولد الشيخ سيديا

وقد تعمقت علاقة الشيخين بقبول الشريف الشيخ محمد الحسن بن سيد عبد الله تدريس الشيخ سيد محمد بن الشيخ سيديا (ت 1286هـ 1869م) وتحفيظه القرآن الكريم وعلوم التجويد، وقد قدم محمد الحسن السباعي والشيخ سيدي محمد في سنته الخامسة وقال له الشيخ سيديا: خذ هذا الطفل يعني الشيخ سيدي محمد ولا يفارقك حتى يحفظ كتاب الله تعالى ولا يشرب إلا سؤرك.

وقد أجازه في يوم مشهود، ولاشك أنه قد أخذ عنه أيضا العلوم الشرعية وغيرها من علوم ومعارف عصره.

ويعد سند العلامة الحافظ محمد الحسن بن سيدي عبد الله السباعي الذي أجاز به الشيخ سيد محمد بن الشيخ سيديا من أقصر الأسانيد في بلاد شنقيط إلى الحاج عبد الله بن أبي بكر التنواجيوي، كما أنه ينفرد به تلامذة محمد الحسن في الجنوب والجنوب الغربي من بلاد شنقيط، وكذلك بلاد غامبيا والسنغال وبالتالي فهو يعد مسارا مستقلا لقراءة الإمام نافع في المنطقة، والسند هو: أخذ محمد الحسن بن سيد عبد الله قراءة الإمام نافع المدني عن محمد الأمين بن عبد الوهاب عن سيد محمد بن الطالب اعل عن عبد المالك بن الطالب أحمد عن الطالب صالح بن الطالب المختار عن الحاج عبد الله بن سيدي أبي بكر التنواجيوي شيخ القراءات في بلاد شنقيط عن سيد أحمد لحبيب السجلماسي اللمطي إلى نهاية السند المعروف.

وقد ظل الشيخ سيد محمد بن الشيخ سيديا يحفظ لشيخه ذلك الفضل في تدريسه فنراه يقول بمناسبة ولادة ابن شيخه محمد الأمين بن محمد الحسن ووالدته مريم الأجدل بنت لمهابه من أهل محنض نلل ابن امرابط مكة بن ابييري:

بشرى فهذا هلال السعد قد طلعا
من جعفر وعلى أصل عنصره
فجده من علي نجله حسن
وجده جوده ما مثله مثل
وجده منه إدريس لطاعته
كذا الذي لم يدع بأرض خلوته
كذا المرابط من يأوي بمنزله
فإن يكن جامعا أشتات كل علا
أبوه قد جمع القرآن في صغر
 

 

من هاشم في سماء المجد مرتفعا
مقابل الطرفين الأشرفين معا
من بضعة المصطفى خير النسا جمعا
وسائر الأسخيا كانوا له تبعا
دعا فلباه أهل الغرب حين دعا
إلا أتى طائعا ليثا ولا سبعا
ستا ويحضر في أم القرى الجمعا
فإنه ليس بدعا في الذي جمعا
والعلم في كبر والدين والورعا
 

والمقصود بـ (أبوه).. محمد الحسن بن سيدي عبد الله شيخ الشاعر.

كما تخرج عليه إضافة إلى الشيخ سيد محمد عدد من حفاظ وعلماء عصره، بلغ عددهم 13 رجلا، كانوا من أكابر العلماء والحفاظ في البلاد خاصة في الجنوب والغرب.

الشيخ العلامة محمد الحسن بن سيد عبد الله في غامبيا

وبعد أن شاع أمر الشريف محمد الحسن بن سيد عبد الله السباعي بين الخاص والعام كما قال هارون بن الشيخ سيديا، واشتهرت بين الناس كراماته وفضائله، انتقل إلى غامبيا داعيا وإماما ومعلما، وكان من أوائل من نزلها من أبناء بلاد شنقيط والمغرب العربي عموما، وأسهم على نحو واضح في نشر الإسلام بها والجهاد ضد الاستعمار الانجليزي، وكانت له بها حضرة عامرة، لازالت تشهد بها مكانته العميقة، في نفوس أبناء غامبيا وتزاحمهم على زيارة ضريحه رحمه الله، وكثرة من يعيش منهم ومن غيرهم من الناس هنالك على أوقافه وهداياه إلى يومنا هذا.

وقد توفي رحمه الله في بانجول حاضرة غامبيا حوالي سنة 1290هـ 1873م، وقبره بها مزارا مشهورا.

وقد تناقل الناس عبر الزمان مناقبه وكراماته، وأخبار صلاحه، واعتنى هارون بن الشيخ سيديا بذكر جانب من أخبار مناقبه وكراماته، وهو من هو في الدقة والتوثيق والاهتمام بالرواية، والحرص على الموضوعية، قال: "ويحكى أنه ربما سمعت تلاوة القرآن عند قبره، وقد حفر عنه السيل مرة أو أمواج البحر فوجد كما دفن، وله شهرة عند أهل غامبيا إلى اليوم.. "كتاب الأخبار".

وقد أخبرني الباحث الثقة الحجة إسحاق بن محمد بن باب بن الشيخ سيديا رحمه الله أنه وجد الرجل الغامبي الذي تولى عملية نقل قبره من موضع قرب الحبر إلى موضعه الحالي البعيد عنه نسبيا وذكر لي أن اسمه هو الحاج عثمان منك انجاي وأنه كان وقت لقائه به طاعنا في السن (أي الحاج عثمان) وأنه قام بذلك ثلاثين سنة بعد وفاة الشيخ الشريف محمد الحسن بن سيد عبد الله السباعي وذلك أنه رأى هذا الشريف في المنام يطلب منه نقله عن موضع دفنه حيث أخ البحر يحفر عنه يظهر ضريحه الشريف، وقال لي: إن هذا الغامبي ومن كان معه من مساعديه وجدوا جثمان الشريف محمد الحسن السباعي كما دفعن أول مرة وذلك أمام جمع من الناس عظيم وعلى مراقبة من السلطات الاستعمارية الانجليزية، وقال لي أن لقاءه بهذا الرجل كان خلال سفره مع الشيخ عبد الله بن الشيخ سيديا إلى غامبيا أثناء زيارة الشيخ عبد الله لضريح الشريف محمد الحسن السباعي وكان ذلك قبل حوالي نصف قرن من الزمن.

وقبره مزار شهير في بانجول ويعرف بضريح الشريف.

رحمه الله رحمة واسعة وجزاه خيرا عن دوره العظيم في نشر الإسلام واللغة العربية في تلك الثغور العزيزة من إفريقيا الغربية.