الشيخ أحمد بمب الخديم

أحد, 11/06/2023 - 14:11

كانت السيدة "مريم محمد بُصٌ" إمرأة صالحة وتلميذة للولي الصالح العلامة أحمد للعاقل الأبهمي الديماني، دفينِ بلدةِ امْبَمْبَ.
وحين رزقت ذات حمل بولد سمته أحمد.
فقيل لها من هو أحمد؟
فقالت: أحمدُ امبمبَ أي دفين امبمبَ، فغلب على الطفل الاسم: أحمد بَمْبَ.

أبوه محمد بن حبيب الله ينحدر من أسرة تكرورية وقيل من موديات الشرفاء انحدرت من فوتا وانقسمت فذهب جزء إلى جلف هو سلف الشيخ ووانحدر الآخرون إلى المنتبذ القصي وهم "آل مودنل".

ولد الشيخ أحمد بمب الملقب (بخديم الرسول) سنة 1854 م فى مدينة (امباكي باوول) السينغالية.
لما بلغ سن التعليم سلمه أبوه لخاله محمد محمد بُصٌ، ثم سلمه الخال لخاله تفسيرو امباكي اندمب شقيق جدة الشيخ، وكان يمكث عنده في (امباكي) في الصيف، وفي الخريف يكون في (چلّف)، وتوفي تفسيرو وقد بلغ الشبخ (لتجدن) فأكمل على والده وكانو عند قرية (سالم).

ثم درس العربية على قاضي أمير القرية (مجخت كل) وكان عالما بارعا في العربية والشعر وكان يعرض عليه محاولاته الأولى.

 وفي قرية (انجانج) درس على عالم من أولاد ديمان يسمى محمد بن محمد الكريم الفاضلي ويلقب محمد اليدالي وأخذ عنه علم البيان وعلم المنطق.

وكان أبوه عالما وكان يطارحه، وحينَ نظم ورقات الإمام السنوسي (م البراهين) تلقاها والده بالقبول، ثم نظم (الأخضري) و (بداية الهداية) للغزالي، وبعد ما تبحر في كل العلوم وتضلع من كل الفنون وأربى على معاصريه، وبعدما رأى والده ما فيه من العلم والمعرفة وبعدما تفرس فيه الولاية والصلاح ولاه جل أوقات التدريس، وفوض إليه تعليم بعض الطلبة.

ولما رأى المستعمر الفرنسي رغبة الخلق فيه وانثيالهم عليه توجس منه خيفة فبدأ يرسل الجواسيس والعيون ليكونوا على بينة من أمره وقد أبلغهم الجواسيس أن الشيخ يدعو للجهاد، وأنه يعد لإنشاء إمبراطورية إسلامية على غرار الشيوخ المتقدمين مثل الإمام ناصر الدين، والإمام عبد القادر الفوتي، و الشيخ مبه جخه، والحاج عمر الفوتي وغيرهم، وأنه في جمع العدة والعدد لمهاجمتهم واستئصال جذورهم.
استدعاه الفرنسيون إلى مدينة سان لوي (اندر) مركز السلطة ومحل التحكيم، وبعد رفع وخفض وختم وفض استقر قرارهم على تغريبه وأجمعوا على نفيه إلى (الجزر الكونغولية).

لبث الشيخ أحمدو بمب في المنفى ثماني حجج إلا قليلا من 1895 إلى 1902. ثم اضطر الفرنسيون إلى إرجاعه لبلاده ورفعوا الحكم عنه.
إلا أنهم ما لبثو أن حكموا عليه ثانيا بالنفي إلى المنتبذ القصي، فمكث فيه أربع سنوات من 1903 إلى عام 1907. 

ففي يوم الاثنين 19 ربيع الاول 1321 الموافق 15 يونيو 1903 تم استدعاؤه من طرف السلطات الفرنسية إلى (اندر) فنفي إلى دگانَه فتوجه إليها عبر السفينة ومكثث خمس ليال بدگانَه، ثم أرسل الشيخ سيديَ بابَ مستشاره شيخنا ولد داداه يطلبه وقال للفرنسيين إن هذا الشيخ لا يخشى من جهته سوء ما.
 فقالوا أتضمنه لنا؟
 فقال أضمنه.
 فسار مع شيخنا ولد داداه حتى وصلوا إلى باب وهو إذ ذاك مقيم مع بني ديمان على تخوم إيگيدي.
 وكان مخيم باب لايستقر في مكان واحد بل يجوب منتجعات الگبلة طلبا للكلأ وهو أمر لم يعتده الشيخ أحمدو بمب فشق عليه فأستأذنهم للرجوع فأبوا عليه حرصا على مصاحبته و للعلة الأولى وهي وصاة الحكومة، إلا أن الشيخ صمم وهم يعلمون صدقه فأذنوا له فباسطهم بالبيت القديم مع تحوير قليل:
ولو نعطى الخيار لما افترقنا :: ولكن لاخيار مع (الحشيش)
مشيرا لتنسمهم مواطن الكلأ.

 وقد لقي الحفاوة من بني ديمان ومنهم أبناء بيدح عبدالله وإخوته عند بئر "الصرصارة" وفيهم يقول:
حمدي وشكري لمن كلي به صارا :: له رضى دون سخط عند صرصارا
له ثنائي ورضواني بلا سخط :: مذ قاد لي من بني ديمان أنصارا
لله كلي لدى آبار مكرمة :: منها ارتحلنا وفيها جم من زارا
إن الذين إلى صرصار قد قصدوا :: زيارتي فارقوا دارين أوزارا

وكانت فترته فى المنتبذ القصي ثرية حيث تواصل مع العلماء والأعيان فأتاه الناس من حدب ومدحه الشعراء وتواصل مع علماء بني ديمان وإدابلحسن وأسرة آل الشيخ سيديا وعلماء قبائل الزوايا.

ومدحه الشيخ باب بن الشيخ سيديا بقصائد وقطع، منها قوله:
الشيخ أحمد نعمة أولاها :: هذى الخلائق كلها مولاها.
وقوله:
إنما الشيخ نعمة أنعم الله بها آية من الآيات

وزاره الشيخ باب بن حمدي الحاجي وظل وبات معه في قبة واحدة.
 وقال باب إنه مكن الشيخ الزائر من السر، وربما يكون سر الطريقة الشاذلية لأن باب بن حمد كان شاذليا.

ومما يروى أن زيارة الشيخ أحمدو بمب للشيخ باب بن حمدي كانت في يوم قائظ فمذق له باب لبنا جيدا بماء بارد وسكر وكان هذا في زمن تضييق الشيخ على نفسه، فقال له اشرب، قال ماكنت أشرب مثل هذا، قال فلم؟ أيضرك من جهة الطب، أم تركته لله مجاهدا لنفسك؟، ف
قال نعم تركته لله، قال اشرب إذن، ولم يزل به حتى شرب. 
بعد ذلك سئل باب لم أكرهت الشيخ على الشرب وماكان يفعل؟
قال لأنه لايريد إلا مخالفة نفسه وإيلامها في الله حتى صارت تلك عادته، فلم أر شيئا أشد عليه من خرق عادته هذه لله، فعاملته بها، ولكن يبارك له فيها، فإنه يصيربعد أقوى مما كان. 

وبعد ذلك بكثير جاء أحمد بن باب بن حمدي إلى الشيخ أحمدو بمب في "انچاريم" ففرح به الشيخ غاية وطفق يبالغ في إكرامه إطعاما وإسقاء فلما وصل من الأشربة إلى  الشاي"أتاي" علم رفيق أحمد ويدعى "كادي" أن سيكون أمر، لأن أحمد لايشرب الشاي ولا يقدر على مخالفة الشيخ لهيبته ولحق الضيافة، فلما هم الشيخ بمد الكأس لأحمد قال كادي إن أحمد لا يشرب أتاي فقال الشيخ: يا أحمد مابالك؟ أيضرك من جهة الطب، أم تركته لله مجاهدا لنفسك؟، فقال أحمد نعم تركته لله، قال اشرب إذن.
فلما شرب أحمد ضحك الشيخ وقال هذه بتلك، فإن والدك فعل بي ما فعلت بك، بارك الله لك فيها.

وأثناء وجود الشيخ أخمد بمبَ في المنتبذ القصي وجه كبولاني سؤاله عن حكم جهاد المسلمين للنصارى في هذا الزمان هل هو جائز أم لا؟ لأن النصارى لا يتعرضون لهم في دينهم مع قوتهم وضعف المسلمين

 وأجابه باب ولد الشيخ سيدي بما أجابه وسلم الجواب الشيخ سعد أبيه وعرضاه على الشيخ أحمدو بمب يريدان تسليمه فكتب ما نصه:
"ما كتبه الشيخان متوجه إلي الأولياء والعلماء الذين يكابدون غيرهم، وأما كاتب هذه الحروف جعله الله تعالي باب السعادة والبشارة والمعروف، فلم يتوجه إليه شيء من هذا لأنه فرغ من فتن الدنيا والآخرة عام كسش 1320 فلولا فراغه من فتن الدنيا والآخرة لأتى بجواب ثالث ولكنه صار ممن قيل فيهم "بل أحياء عند ربهم يرزقون".
كتبه قائله أحمد بن محمد بن حبيب الله عصمه الله تعالي وكان له وتولاه "

في ليلة المولد 12 ربيع الاول 1325الموافق 25 ابريل 1907 قرر الفرنسيون إرجاعه الى وطنه ونقلوه إلى قرية منعزلة اسمها "جييين" ومنعوه من مقابلة أكثر من ستة أشخاص يوميا. 

ولم ينتهوا منه بل أقاموا عليه أخيرا إقامة جبرية في مدينة (چربل) إلى أن أسلم الروح لبارئها سنة 1927

يقول العلامة المختار بن المحبوبي رحمه الله مؤرخًا لوفاته:
وعام (وم) صار نحو القبر :: ذو المكرمات والتقى والصبر
والعلم والحلم والإتباع :: والإطلاع مع طول الباع
عنيت أحمدَ الخديمَ الأسنَى :: نال من اللهِ خِصالا حُسنى
فُتح من علم عليه باب :: وحملت من مدحه الركاب
وزاره الملوك والقضاة :: ورجعوا ولهمُ مرضاة
كم من جلائلَ له أعطاها :: يحسده حاتمُ لو رآها

كامل الود