عن تدني نسبة النجاح في الباكالوريا / محمد الأمين ولد الفاضل

ثلاثاء, 24/08/2021 - 21:53

لم تتجاوز نسبة النجاح في الباكالوريا في دورتها العادية لهذا العام 8%، وربما تكون هذه النسبة هي أصدق تعبير عن مستويات التلاميذ، وذلك بعد أن بُذِلت في هذا العام جهودٌ كبيرة للحد من الغش، ومن المحتمل أن تكون نسبة النجاح النهائية في هذا العام  في حدود 12%، وذلك بعد إضافة نتائج الدورة التكميلية. لا شك أن هذه النسبة المتدينة مقلقلة جدا، ومما يزيد من حجم القلق أن هذه النسبة ظلت في هذه الحدود خلال السنوات الماضية، إن لم أقل خلال العقود الماضية.

تعليقا على هذه النسبة المتدنية كتبتُ عدة منشورات نشرتها على حسابي على الفيسبوك، وقد ارتأيت أن أجمعها بعد بعض الإضافات البسيطة، وأنشرها كمقال، وذلك بعد أن تعذر عليَّ نشر مقال عن الموضوع بسبب بعض الانشغالات الضاغطة.

أولا : التدريس باللغة الأم

يرى الكثير من أهل الاختصاص أن من أهم أسباب تدني نسب النجاح في الباكالوريا راجع إلى تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية، وهي اللغة التي لا يُتقنها المدرس، ولا يعرفها التلميذ، ويجهلها أغلب آباء التلاميذ، وقليلة الاستخدام في الإعلام وفي الفضاءات العامة والخاصة.

أوصت اليونسكو بضرورة التعلم بلغة الأم، والبنك الدولي في ندوة له أوصى بذلك، ومع ذلك يتواصل العمل في بلادنا بإصلاح 99 أو على الأصح يتواصل العمل  ب "إفساد 99".

(1)

هناك فرق كبير وكبير جدا بين أن تُدَرٍس لغة أجنبية كمادة وأن تُدَرِّسَ بها المواد الأخرى. لا مشكلة إطلاقا في تدريس اللغة الفرنسية كمادة ولا في تدريس اللغة الانجليزية والتي هي بحق لغة عالمية في انتشار مستمر عكس اللغة الفرنسية التي تتراجع بشكل مستمر.          

لا مشكلة في تدريس ما يمكن تدريسه من لغات العالم كمواد، ولكن علينا أن نُدَرِّس كل المواد العلمية والأدبية باللغة العربية: اللغة الرسمية لموريتانيا، واللغة الأم لأغلب الموريتانيين، واللغة التي يتعبد بها كل الموريتانيين.

(2)

دعونا نطرح هذا السؤال :  ماذا سيتخيل تلميذ في أمبود أو تيشيت أو أفديرك أو فصالة مثلا إذا قال له المدرس إن درس اليوم سيكون : المربع أو المستطيل أو المثلث أو الدائرة؟

طبعا سيتخيل كل هذه الأشكال بسهولة أو على الأقل سيتخيل أشكالا قريبة منها.

وماذا سيتخيل نفس التلميذ إذا قال له المدرس إن درس اليوم سيكون:   Le Carré أو Le Rectangle أو Le Triangle أو Le Cercle؟

طبعا سيتخيل كل الأشكال الممكن تخيلها دون أن يتمكن من تخيل الأشكال الحقيقية لهذه المسميات ..

هذا مثال بسيط على أهمية التدريس باللغة الأم.

(3)

هناك حقيقة لن تسمعوا من يتحدث عنها ممن يرفعون شعار الدفاع عن شريحة لحراطين، وهي أن أكبر متضرر من التدريس باللغة الفرنسية هم لحراطين وكل الفقراء والفئات الهشة في المجتمع.

على من يهتم حقا بشريحة لحراطين أن يهتم أولا بإصلاح التعليم، وإصلاح التعليم لن يفيد هذه الشريحة إلا إذا تم التدريس باللغة الأم، ذلك أن أكبر متضرر من تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية هو الفئات الهشة في المجتمع، والتي لا تمتلك مالا تنفقه على الساعات الإضافية لتعلم الفرنسية، ولا على المواد العلمية التي تُدَرَّسُ بتلك اللغة.

ثانيا : إعادة الاعتبار للتعليم العمومي

ستظل هذه النتائج متدنية ما لم تتم إعادة الاعتبار للتعليم العمومي، ولإعادة الاعتبار للتعليم العمومي فقد يكون من المهم إلزام أبناء موظفي الدولة ـ وخصوصا منهم أصحاب الوظائف السامية ـ بتدريس أبنائهم في مدارس عمومية، كما أنه قد يكون من المهم تقليص الفارق الكبير في حجم الإنفاق على مدارس الامتياز والمدارس العسكرية من جهة وبقية المدارس العمومية الأخرى.

وسيبقى الاهتمام بالمدرسة والمُدَرِّس (معلما كان أو أستاذا) هو الكلمة المفتاح لإعادة الاعتبار للتعليم العمومي.

ثالثا: الاهتمام بالتعليم العالي والتكوين المهني المتوسط

إننا في الوقت الذي نُطالب فيه جميعا بضرورة العمل من أجل رفع نسبة الناجحين في الباكالوريا حتى تكون مقاربة لنسب النجاح في الدول القريبة منا، علينا أن لا ننسى ـ ونحن نُطالب بذلك ـ أن تعليمنا العالي يجد صعوبة كبيرة في استيعاب النسب المتدنية التي تحصل على الباكالوريا في كل عام. إن التفكير في رفع نسبة الناجحين في الباكالوريا يجب أن يُصاحبه عمل جدي لزيادة القدرة الاستيعابية لمؤسسات التعليم العالي. كما يجب أن يصاحبه كذلك تفكير جدي للبحث عن آليات لاستيعاب الأعداد الكبيرة من التلاميذ التي لا تتمكن من النجاح في البالكالوريا. إن التفكير في هذه الأعداد الكبيرة من التلاميذ الذين لم يحصلوا على الباكالوريا يستوجب التفكير في خلق المزيد من مؤسسات التكوين المهني المتوسط لاستيعاب أكبر عدد ممكن من التلاميذ الذين لم يوفقوا في الحصول على الباكالوريا. إن تكوين هؤلاء على حرف ومهن يحتاجها سوق العمل يجب أن يكون من أولوية الأولويات،

فعدم تكوينهم ودمجهم في الحياة النشطة سيعني تركهم للإحباط واليأس والبطالة وعالم الجريمة بمختلف تخصصاته وشعبه.  

حفظ الله موريتانيا...